السبت، 3 أغسطس 2019

كلٌّ يغني على ليلاه



مذ وعت حواسّنا على وسائل الإعلام المختلفة، ونحن نسمع ونرى بين الفينة والأخرى وحشية ولا إنسانية اليهود الصهاينة على إخواننا المسلمين في فلسطين، ما يُدمي المقل ويُشيب الرؤوس.
وهم يستمرون في ذلك ويستمرون؛ لأن من أمِنَ العقوبة أساء الأدب؛ لأن اليهود واثقون تمامًا من ردة فعل العرب والمسلمين، فالحاكم ورئيس الدولة يستنكر ويشجب عبر المحطات، والكاتب في الصحيفة يسطّر الكلمات، ويجرّ الحروف.. يكوّن العبارات، والشاعر يختلق الأبيات ليضيف إلى حصيلة الأدب العربي ديوانًا آخر من المرثيّات، والمغني يردّد الآهات تلو الآهات، وعامة الشعب بين ذئبٍ منافقٍ يرتدي فرو النعجة وينادي بالحل السلميّ، ويقول بمشاركة الإسرائيليين للفلسطينيين تلك الأراضي مناصفةً، وبين أناس مغلوب على أمرهم، لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا، يفعلون ما يمليه عليهم حكامهم، لا يملكون إلا الدعاء لإخوانهم، ونحن معهم نرفع أيادينا:
اللهم كن لإخواننا في القدس، اللهم ارحم ميّتهم، اللهم فكّ أسيرهم، اللهم حرر القدس من أيدي الصهاينة الغاصبين، أرنا اللهم فيهم عجائب قدرتك فإنهم لا يعجزونك، اللهم ارزقنا صلاةً في المسجد الأقصى... اللهم آمين. 

يناير 2009م 

عشقي الأزليّ



ضائعٌ أنا بدونها، تائهٌ أنا بالبعد عنها.
في عزلتي اخترتها الرفيق، في وحدتي جعلتها الصديق.
فكانت نعم الرفيق ونعم الصديق، ونعم الأنيس ونعم الونيس، ونعم الخليّ ونعم الصفيّ.
 فما تعدّ ولا تحصى عجائبها             ولا تسامُ على الإكثارِ بالسأمِ

في بادئ الأمر تعرفتُ إليها غير محبٍّ لها، أو مكترثٍ بأمرها، أو آبهٍ لشأنها.
لكنها رويدًا رويدًا أخذتني إلى عالمها ..
أبهرتني بسحرها ..
كشفت لي عن مفاتنها ..
أذاقتني لذيذ شهدها ..
أسقتني قرير كأسها ..
أما الآن وقد عرفتُ قدرها، وفطنتُ حقيقتها، لا أتحمّل جفاءها يومًا.
وإني لأتحسّرُ وأتندّمُ على لحظاتٍ عشتُها متجاهلًا لها، متخليًّا عنها.
وإني لأحزنُ وآسى على شبابٍ هجروها، واستبدلوها بأخرياتٍ لا يملكن عشر مناقبها ومزاياها.



2008/6/6 م 

سحب الامتيازات



توارت كلماتي عن الأنظار لبرهةٍ من الزمن، استحت فانزوت إلى خدر، لكن آن لها أن ترى النور.
كالعادة أتكلم عن تجربة شخصية "آتت أكلها" بالنسبة لي، فأحببت أن أعرضها. علّ الفائدة تعمّ الجميع.
من وجهة نظري فإن من أقوى الأساليب العقابية ما أسميه "سياسة سحب الامتيازات" والذي لا يتعارض البتة مع مبادئ التربية وأساسيات علم النفس.
لكن بدءاً أود التعرض لبعض المصطلحات الإدارية:
الاتصال: عملية إرسال واستقبال المعلومات بين الناس، سواء بالطريقة الشفهية أو الكتابية، أو الإيماءات ولغة الجسد.
الاتصالات الرسمية: الاتصالات التي تحددها أو تتطلبها قوانين وأنظمة المنشأة الرسمية.
ففي الكيان المدرسي، حين يسأل المعلم الطالب عن الواجب، فهذا يدخل ضمن النطاق الرسمي للاتصال.
الاتصالات غير الرسمية: والتي لا تُحكم بأنظمة وقواعد وقوانين محددة.
فحديث المعلم مع الطالب عن فريقه المفضل، يدخل ضمن النطاق غير الرسمي للاتصال.

عليه نقول متى ما أبدع المعلم في خلق اتصالات غير رسمية مع الطالب، والتي تعد امتيازًا له دون غيره، فإن بمقدوره اللجوء إلى الأسلوب آنف الذكر كأسلوب عقابي فعال.



18 ذي الحجة 1436هـ 

حوار


happy new year
- اغرب عن وجهي يا مبتدع، لم أكن أعلم أنك تحتفل برأس السنة شأنك شأن الكفار.
- أرأيت لو أني في غرة محرم بعثت إليك برسالةٍ، أهنئك فيها بحلول العام الهجري الجديد، متمنيًا لك وللمسلمين عام خيرٍ وبركةٍ ونصر. أكنت مبدّعيّ؟
- كنت سأعاتبك إن لم تفعل.
- فما الذي جعل رأس السنة الهجرية مناسبةً إسلاميةً يجوز فيها تبادل التهاني، ورأس السنة الميلادية مناسبةً بدعيةً يحرم فيها ذلك؟!



رأس السنة الميلادية 2008 

بناتنا والنجمات



أريد أن أكون جذابة كأمل حجازي؟
أود أن أصبح فاتنة مثل هيفاء وهبي؟
أتمنى أن أظهر برشاقة رولا سعد؟
هذا لسان حال بناتنا؟ متجاهلين أن ظفرهن برأس تلك البلاستيكيات.
 بل مجرد عقد المقارنة بين بناتنا والنجمات، فيه إهانة لبناتنا، وانتقاص من قدرهن، وهضم لحقوقهن.
فالنجمة التلفزيونية خضعت ليس لعملية جراحية تجميلية فحسب، بل عمليات في أنفها، وأخرى في شفتها، وأخرى في صدرها، وأخرى في مؤخرتها، ناهيك عن الساعات الست التي يقضيها فريق التجميل لإخفاء ما يمكن من البقع، وإصلاح ما تبقى بالرقع. ثم بعد ذلك كله تكون موضع تناقض بين معجب بها, وآخر لا يرى فيها من الجمال والفتنة ما يحرك فيه ساكنًا.
النجمة التلفزيونية تخاف من العطاس حتى لا يقع أنفها، تخشى القفز حتى لا يختلّ توازن السليكون الذي في صدرها، تحرم نفسها من الأكل بداعي الحفاظ على رشاقتها، حتى إن أكلت فإنها ترجّع ما أكلت حتى لا يؤدي ذلك إلى زيادة وزنها.
هل هذا الجحيم الذي يرغبن فيه بناتنا؟



2008/11/7 م

الموسوعية والتخصص




الدكتور طارق السويدان، حاز على درجة البكالوريوس في الهندسة، ومع ذلك قدم لنا روائع القصص، ابتداءً بالأنبياء، مرورًا بالسيرة النبوية، وانتهاءً بسير الخلفاء الراشدين والصحابة وأولي الفضل من التابعين، وأتى إلينا بدورات قيّمة في صناعة النجاح، وأساليب الإدارة، والتخطيط ووضع الأهداف، وفن الإلقاء، وغير ذلك من البرامج والدورات والمؤلفات التي هي غايةٌ في الدقة والإتقان كمًّا ونوعًا، بشهادة المتتبعين والمتابعين، أي أن الله وفّقه ليغرف غرفةً بيده من بحور العلم المتفرقة.
مدرس رياضيات للصفوف الأولية بالمرحلة الابتدائية، أُسندت له حصص تدريس مادة القرآن الكريم لإكمال نصابه، ما أثار حفيظة موجّه الرياضيات الذي يرى أنه غير متخصص في المادة، فقلنا له بأن ذلك المدرس قد منّ الله عليه بحفظ القرآن الكريم كاملًا، ويعمل مدرسًا لتحفيظ القرآن الكريم في الفترة المسائية، فقبل على مضضٍ ونفسه تحدثّه بأن المدرس غير متخصص.
لا أعلم ما هو التخصص الذي يرجو الموجه نواله، ويبتغي الوصول إليه؟؟!
أن لا يحفظ مدرس القرآن جدول الضرب؛ لأنه متخصص في القرآن الكريم؟!
أن لا يستطيع مدرس الرياضيات إعراب ذهب خالد إلى المدرسة؛ لأنه متخصص في الرياضيات؟!
أن لا يعرف مدرس اللغة العربية ما معنى I go to school every day ؟؟
طلب العلم لا يقتصر على فنٍ واحدٍ، أو بحرٍ واحدٍ، وتاريخنا مليءٌ بعلماء جمعوا من أصناف العلوم، بل لا نكاد نجد من علماء السلف من عُرف بأنه تخصص في علم واحد فقط.
رأينا هذا صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب.
والسلام مسك الختام،،،     



2008/5/15 م

المنفعة والألم


مدمن الخمرة لا يترك، شارب الدخان لا يقلع، زير النساء لا يخلّي، الكذاب الأفّاك لا يمتنع، لماذا؟
أمن إجابة؟؟
هل من تفسير؟؟
أهنالك تبرير؟؟
أنتوني روبنز في كتاب "أيقظ قواك الخفية" يملك تفسيرًا لذلك.
يقول أنتوني بأن هناك قوتان تتحكمان في جميع أفعال الإنسان وتصرفاته التي يقدم عليها:
قوة المنفعة، قوة الألم.
ما معنى هذا الكلام؟
حينما يقوم الإنسان بأي نشاط أو فعل فإنه يوزن ذلك في ميزان المنفعة والألم، فإذا كان هذا الفعل يشكِّل له أي نوع من الألم فإنه سيحجم عنه، أما إذا كان هذا الفعل يمثّل له ولو قليلًا من المنفعة فإنه سيقدم عليه.
علمًا بأن الحكم على هذه الأفعال، وهل تصنّف من المنفعة أو الألم هو حكم شخصيّ بحت، يكون خاطئًا في أغلب الأحيان؛ لأن الإنسان تحكمه أهواؤه، ويغويه الشيطان، وتسوّل له نفسه الأمارة بالسوء.
في الأمثلة الآنفة الذكر، تمثل هذه الممارسات بالنسبة للمصرّين عليها ليست منفعة فحسب، بل أقصى درجات المنفعة، فإذا ما استطعنا أن نضع الأمور في نصابها، ونقنع هؤلاء بما تسبّبها تلك الممارسات من ألمٍ بالغٍ، فإننا بالتأكيد سننجح في ردعهم عن تلك، وإعادتهم إلى الطريق الصحيح. 


2008/8/28 م

المسابقات الرمضانية


المسابقات الرمضانية على تنوعها واختلاف طرقها، تبيّن وتثبت بما لا يدع مجالًا للشك والريبة مدى الجهل، وقلة التحصيل المعرفي، والبعد عن العلم، الذي يسود المجتمع السعوديِّ خاصة، والدول العربية المجاورة ـ إلا من رحم الله ـ وقليلٌ ما هم.
بحسبك أن المتسابق لا يقوى على التلفظ بالإجابة المعطاة له، فيكتفي بالإشارة إلى رقم الإجابة.
والطامة الكبرى أن القناة صاحبة البرنامج تكافئ هذا الأمِّي على جهله، وبذلك توفر له الأسباب ليبقى على بهيميته وتخلفه.  



 6 رمضان 1430 هـ 

الفشل والإبداع


أنا لا أؤمن بأن هناك شخصًا في هذا الكون فاشلٌ كلياً، أي أنه صفر، معدوم من أية إمكانيات، خالٍ من أية مواهب. ولأثبت وجهة نظري أضرب مثالًا بسيطًا: هل تعرف كيف تصنع كرسيًّا من الخشب؟
لا...
إذًا فمن يفعل ذلك، يملك شيئًا لا تملكه، فهو منجز في مجاله ومتميز.
التميز في نظرة مجتمعنا قاصر على بعض الفئات ومختصٌّ به.
فمن يلتحق بكلية الطب متميز، ومن يدرس الهندسة مبدع، وما سوى ذلك فأناس عاديون ينقصهم التميز والإبداع.
الأطباء وهم صفوة المجتمع والذين يشار إليهم بالبنان، يعملون في أقل المجالات إبداعًا؛ لأن الطبيب يطبق ما تعلمه بالحرف، ولا يجاوز ذلك مقدار بنان. أي أن رجل الديكور المحتقر المزدرى يملك حسَّ الإبداع أكثر من الطبيب.
كليات الطب والهندسة تشتكي دومًا من الطاقة الاستيعابية، بينما تكتفي الكليات الأخرى بهشِّ الذباب.
صاحب الحرفة اليدوية يتقدم ليطلب الزواج فيرفض بكل سهولة، في الوقت الذي يتقدم فيه الطبيب فيعطى أربعة صافية من الضرائب وشاملة التوصيل المنزلي مجانًا.
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهم أشرف الخلق عملوا في المهن اليدوية، فنوح كان نجارًا، وإدريس كان خطاطًا، وداوود كان حدادًا، وسيد البشر محمد رعى الغنم، وعمل بالتجارة.



2008/12/14 م 

العلاقات العابرة


أتحدث برأيٍ شخصيٍ، ليست دراسةً اجتماعيةً متخصصة.
لماذا يلجأ الكثير من الشباب والصبايا في مرحلة المراهقة إلى الارتباط ببعضهم، بعلاقاتٍ عابرةٍ في الطرقات، وبالأحرى وقت الانصراف من المدارس؟
نسبةٌ كبيرةٌ منهم يعوضون النقص في العطف والحنان المفقودين في البيت، فالأب أغلب الوقت خارج المنزل، والأم وهبت نفسها لتدبير المنزل، أو نذرت حياتها لزيارة صويحباتها، هذا إن لم تكن قد أبرمت عقدًا أبديًّا مع الهاتف أو جهاز الاستقبال، والأخ غارقٌ بعلاقةٍ هو الآخر، وبالكاد يتذكر اسم أخيه وسنة ميلاده، والأخت لا تعدو كونها جاريةً تتلقى الأوامر.
أي أن الأسر تدفع بأبنائها غير مدركةً لمثل هذه العلاقات.
آخرون منهم يعملون بالمثل faddish thing to do  "مع القوم يا شقراء"، أي أنها موضةٌ ساريةٌ بين الشباب، ويجب مواكبتها، وإلا اتُهموا بالجنون والتبلّد العاطفيّ.
ومنهم من يسبح بهذه العلاقات في بحر الحياة الرومانسية، متأثرين بالسينما، فهم يتراسلون .. يتواعدون .. 
يتقابلون .. 
يخططون .. 
ومن ثم لخططهم ينفذون. 
شعارهم:
سنكتب على جدران الزمن        
إن عشنا عِشنا معًا         
وإن متنا سيجمعنا الكفن
وأما ذاك .. آه من ذاك .. فهو زير عصره، ودنجوان زمانه، وسيمٌ جذابٌ، يجيد تعسيل الكلام، يحسن انتقاء الملابس، يتقن اقتباس الأبيات، يمتاز في الغناء، يأتي بالبنت بإشارةٍ ويذهب بها بإشارة، أرستقراطيٌّ من طبقة النبلاء. مسكينٌ يظنّ نفسه كذلك.

أوهامٌ يعيشونها يسمونها "الحبّ" مغمورون في أحشائها، سابحون هم في أرجائها.



2008/3/9 م 

الشعر الطويل


أطال شعره ... 
لم يفعل ذلك اقتداءً بسنة نبيه، لكنه لم يخالف شرعًا.
عاتبه كل من حوله وانتقده، صغيرهم وكبيرهم.. برّهم وفاجرهم.. قريبهم وغريبهم..

لماذا؟

لأن الشعر الطويل يخالف العادات والتقاليد..
لأن ذا الشعر الطويل موسومٌ في مجتمعنا بالفسق..
لأن الشعر الطويل لا يليق بمن حوى قلبه كلام الله.

قصّ شعره ... ترك بعضه وحلق بعضه، خالف الشرع لكنه أرضى العرف.
فانهالت عليه التهاني والتبريكات كمن دخل الإسلام حديثًا، كمن تاب من كبيرة.

أمورٌ كثيرة ٌ في حياتنا يُقدّم فيها العرف على الشرع.
تصرفٌ قد يُعذر فيه العاميّ والجاهل، ولكنه لا يُقبل من متعلم، وصاحب دراية. 



2009/10/22 م

الزواج


الزواج .. ليس سريرٌ ووسادة .. ومعاشرة تحصل بها السعادة.
الزواج .. ليس مجموعة من القبل .. والمثول بين يدي المرأة كما لو كانت هُبل.
كلا .. ولا حضنٌ وأعناق .. ولهفةٌ ولوعةٌ واشتياق.
الزواج .. مودةٌ ورحمة.
الزواج .. سكينةٌ وطمأنينة.
الزواج .. عمرٌ بالحب يُقضى.
الزواج .. مسؤوليةٌ على الكواهل تُحمل.
الزواج .. اختلاط الروح والوجدان.
الزواج .. مشاركة التفكير والمشاعر.
الزواج .. مقاسمة المأكل والمشرب والمهجع.  

2009/12/6م 


وفاء


عاملٌ بسيطٌ يعمل بأحد المصانع بأجرٍ زهيدٍ، ويجاور ذلك المصنع مقهى يستريح فيه العمال بعد عناء يومٍ شاقٍ مليءٍ بالأعمال.
تزوّج هذا العامل بامرأة شابة من عائلةٍ فقيرةٍ، وعاشا في هناءٍ وراحة بالٍ، وما هي إلا شهور قلائل، ورزقا بطفلٍ أغمرهما بالحبِّ والسعادةِ، تلاهُ أخيّتهُ.
وأعقبت الأيامُ اللياليَ، وأثقلت الأعباءُ كاهل ذلك العامل، وكثرت الالتزامات الماليّة، وأصبحت المسؤولية ثقيلة.
أحسّ العامل بضيق الحال وفكّر بعملٍ إضافيٍّ ليوفر دخلًا أكبر لعائلته، فراح يسأل عن أي عملٍ وبأي مرتبٍ، وبدأ بالمقهى المجاور للمصنع، وكان له ما أراد.
عاد إلى البيت فرحًا ليبشّر زوجته بالخبر السارّ، فصرخت الزوجة: وامصيبتاه!
دُهش الرجل وسألها عن السبب فردّت: تطأطئ رأسك لزملائك من أجلنا!
وماذا تفعل هذه إذاً؟ وأشارت إلى آلة الخياطة التي كانت قد ورثتها عن أمها.
أزالت الغبار عن آلة الخياطة، وبدأت تعمل عليها ليل نهار، استمرت في ذلك مدة عشرين سنة حتى انحنى ظهرها من ذلك.
وهبت عمرها، ضحت بشبابها، أفنت صحتها من أجل زوجها وأبنائها.
أحنت ظهرها عشرين سنة لئلا يطأطئ زوجها رأسه مرة واحدة.
صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قال:" الدنيا متاع، وخير متاعها: الزوجة الصالحة". 

1429/11/28هـ        

الخميس، 1 أغسطس 2019

إرهاصة


26/12/2020م  معرض الكتاب بنسخته السادسة بجدة

في ركنٍ قصيٍّ من المعرض يقبع الاستديو الخاص بإذاعة PANORAMA FM، يعقد لقاءًا خاصًا مع "إرهاصة" بعد فوزها بالجائزة العالمية للرواية العربية، عن روايتها "حمادتي".

- بادئ ذي بدءٍ، مساء النور "إرهاصة" أهلًا بك في بانوراما إف إم.
- أهلًا وسهلًا بك أستاذة مي.
- لماذا بانوراما إف إم دونًا عن باقي المنابر الإعلامية؟
- مراعاةً لبعض الاعتبارات الاجتماعية التي لا تخفى بحالٍ على قارئ الرواية.
- "إرهاصة"؟!! (بنبرة استفهام).
- (بابتسامةٍ) .. حيث لا نبوّة في الإناث كانت إرهاصة.
- ماذا بعد الجائزة العالمية للرواية العربية؟
- نوبل للأدب .. (بابتسامة ملؤها الغرور).
- حدثينا أكثر عن "إرهاصة" بشكل عام، وعن "حمادتي" بشكلٍ خاصٍّ، المايك بين يديك.

تسترسل في الحديث دون هوادةٍ، لا خوفَ يعتريها، ولا توجّسَ، فقد عاشت هذه اللحظة كل ليلةٍ مذ شرعت في أول سطرٍ في الرواية.
عاشت النشوة ..
عاشت الشهرة ..
عاشت الحلم ..
تنتبه الأستاذة مي على صوت جلبةٍ خلف الكواليس، ويسودُ جوٌّ من القلق في الاستديو، يهمس المخرج في سمَّاعتها بكلامٍ، فتتوجَّه بالخطاب إلى "إرهاصة"

- شخص بالخارج يصرّ على لقائك، ويدّعي أنه الصديق الوحيد لكِ.
- (تصمت هنيهة) وتردّ بجوابٍ ملؤه الغرابة والدهشة، صديقي الوحيد؟!!
- تعاجلها الأستاذة مي بما يملي عليها المخرج في سماعتها، معه نسخةٌ من الرواية، مصدَّرة بإهداء نصُّهُ "لقد بخلت على العالمين بهذا الإهداء أن يكون مطبوعًا في كل نسخة من كتابي الذي لا أعلم كم عدد الذين سيقرؤونه، وماذا سيفكرون حيال الصديق الوحيد لأنثى يتيمة الأب والحب ..."

لا تنتظر حتى تفرغ الأستاذة مي من القراءة، تفزُّ من مقعدها، مرتبكةً مذهولةً، تتمتم (سلمان) معقول؟!!
تنزع عنها السماعة والمايك، لتخرج من الاستديو وتتجه إلى هذا الصديق المجهول، هل يصدق ظنّها؟ ويصيب اعتقادها؟ لا أحد سوى (سلمان) كتبت له ذلك.
كان تواصلها قد قلَّ معه في الآونة الأخيرة، لانشغالها بتدشين الكتاب في المعرض، وقبل ذلك سفرها لاستلام الجائزة.
تركت الاستديو مخلِّفةً وراءها مخرجًا جُنّ جنونُهُ وأُسقط في يده، فاللقاء كان مباشرًا، لتقف أمام هذا الصديق المجهول, هو؟ سلمان؟!! لا تنكر محيّاه، ولا تخفى عليها قسمات وجهه، فلطالما حادثته عن طريق الفيديو.

- بعيونٍ اغروروقت من الفرح دمعًا، وبخجلٍ كساه جمالًا، يبادرها: هل تصافح سيدتي الرجال؟ أم أنها لا تبايع إلا بالكلام؟
- تُهرع إليه .. نسيت حقيبتها ومحمولها في الاستديو، ولا غرابة، فقد نسيت أن مئات الأعين ترقب هذا المشهد، انفصلت عن هذا العالم حسًّا، واتَّصلت بعالمٍ آخر، ركضت نحوه، وارتمت بين أحضانه، ليسقطا سويةً على الأرض، وسط ذهول الحاضرين، ذلكم الحضن الذي لطالما كان لها موطنًا في الواقع الافتراضي، واليوم فقط بات ملموسًا محسوسًا، اقتبست قول شوقي الذي كان يردده دائمًا:
لم أدر ما طيب العناقِ على الهوى
حتى ترفَّق ساعدي فطواكِ


نهض ليغسل وجهه، ويبدأ يومه، وقد أثَّرت فيه السقطة من السرير ..!! 

أفتَّانٌ أنت !!



عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- أن معاذ بن جبل - رضي الله عنه-كان يصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يأتي قومَه فيصلّي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، فتجوّز رجلٌ، فصلّى صلاةً خفيفةً، فبلغ ذلك معاذًا فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إنا قومٌ نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا، وإن معاذًا صلّى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوّزت، فزعم أني منافق، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- يا معاذ أفتّان أنت؟ يا معاذ أفتّان أنت؟ يا معاذ أفتّان أنت؟ اقرأ: و(الشمس وضحاها) و(سبّح اسم ربك الأعلى) ونحوها. متفق عليه واللفظ للبخاري .

بات الأمر عندي مزعجًا حدّ الامتناع عن الصلاة جماعةً في المسجد، لا لنفاقٍ بي أو كسلٍ، وإنما هذا ما جناه أئمة المساجد عليّ، وعلى كلّ من قرأ القرآن صحيحًا سليمًا من الخطإ.
لا أذكر متى كانت آخر مرةٍ صليت بها مأمومًا خلف إمامٍ ولم يلحن لحنًا جليًّا، سأتغاضى بالكلية عن موضوع القراءة بمقام الكرد مطّردًا، كأن النغمات انحصرت وضاقت على القراء بما رحُبت، فلم يكُن إلا الكرد، الأمر نسبيٌّ، وإن كنَّا نرى أن كلَّ ذو سمعٍ يمجَّ المقام متى ما شاع بهذا الفحش وأجمع العوامّ والسذّج أن لا مُطرِبَ إلا هو.
فتنة معاذٍ –رضي الله عنه- كانت الإطالة برجالٍ قضوا نهارهم كلَّه في العمل، ولا طاقة لهم بالوقوف طويلًا خلف الإمام الذي ما كابد مكابدتهم، ولا نصب نصَبَهم.
فتّانونا جمعوا إلى هذه الفتنة ضروبًا أخرى، فعدم التمكن من الحفظ يفتن المأموم الحافظ، ويشتت ذهنه، فإن كان لا يقوى قراءة الطوال والمئين، فلماذا يركب الصعب ويترك الذلول؟ وإن كان حتى في القصار على عادته في الخطإ واللحن، فمثل هذا لا يؤمُّ المسلمين.
تجده من سوء حفظه متى ما رُدَّ عليه خطؤه، تلجلج وتزلزل، وأخذ المصلين في رحلةٍ من البلبلة والقلقلة.
ثم بعد هذا ليته خفّف في صلاته، فخفّف على المصلين أمَدَ عذابهم، لكنه يطيل ويخيّل إليه أنه من سلالة أبي موسى الأشعري، وما ضرّ الناس أن بدأ بـ (الم) وانتهى بــ (الناس)، وما علم المسكين أن لو وجدت آيةٌ أقصر من (حم) لدعا المصلُّون أن قرأ بها حتى يرتاحوا من جحيمه.
الأدهى والأنكى أنه متى أخطأ لا يصوّب الآية، ويخترع تكملةً للآية، ولا يبالي، أو تراه يسافر بين السور إذا كانت الآيات متشابهة، فينطلق في قصة موسى في الأعراف، ويعرّج على الشعراء، وقد يمرّ بطه، ليحطّ رحاله في القصص.
أضف إلى هذا استحداث تجويدٍ يتوافق مع مطّهم في كُردِهم، فالغنّة تستحيل لأربع حركاتٍ، وربما ستٍّ، متى ما دعا المقام لذلك، والمدّ قد يختفي وإن كان لازمًا، وقد تأتي مدودٌ ما أنزل الله بها من سلطان.
نعم ..
أنا أصلي منفردًا ببيتي، وأحيانًا أجمع مع زوجي، وإن سألني ربي سأجيب: هؤلاء أضلونا!!


أيامي


كانت مصافحتي الأولى لعميد الأدب العربي طه حسين بقراءة كتابه الماتع (الأيام) وقد وقعتُ على تقاطعات كبيرة بين صِبَاه وصِبَانا، فسطَّرتُ فصلًا من أيامي على منوال أيامه.. 



جلس صاحبنا للإقراء، وقد انقطع برهةً من الزمن، لا لكسلٍ فيه أو توانٍ، بل الكسل يرمي به طلّابَه، وإن كان يلتمس العذر لأكثرهم، لنأي الدار، وكثرة الأشغال.
أتى ابنه الحظيّ أحمد رشيد، وكان أبعدهم عهدًا بالقراءة والعرض على صاحبنا، فظروف التحاقه بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة حالت بينه وبين الانتظام في الحضور، وعرض التلاوة.
شرع في قراءة حزبه، تلكَّأ كثيرًا وتلجلج، وحار جوابًا في كل سؤالٍ وجّهه إليه صاحبنا، فاستشاط صاحبنا غضبًا وثار عليه، وانطلق كالسيل العارم، يعنِّفه على سوء أدائه، ورداءة قراءته، وكيف أن بُعدَه عن مكة المكرمة، وزهده في مجلس الإقراء، خلّفهُ قارئًا عاديًّا، كغيره من حفظة كتاب الله الذين لم يعرضوا على شيخ، لا مزيّة له عليهم.
هنا عاد صاحبنا بشريط الذكريات إلى بداياته في تحفيظ القرآن الكريم بالمسفلة، كان أول أمره يختلف إلى الأستاذ محمد ناصر، وهو ابن خمس سنين، شأنه شأن أترابه في مجتمعه، لكن صاحبنا كان عصيًّا متمرّدًا، لا يذهب إلى التحفيظ إلا بشقّ الأنفس، كان يُحمل إليه حملًا، وكرهه للتحفيظ كان لسببين، أحدهما: أن الأستاذ كان يملك عصا (باكورة) مخصصةً لكل طالب، يُعاقب بها ويُضرب، إذا قصّر في تسميع الدرس أو المراجعة.
والسبب الأهمّ: أن التحفيظ كان يتزامن مع وقت عرض مسلسل الكرتون (سالي)[1] الذي كان صاحبنا مولعًا به، في وقتٍ لم يكن فيه التلفزيون ضيفًا في كلِّ بيت.
لم يلبث صاحبنا عند الأستاذ محمد ناصر فترة طويلة، فأخوه الكبير يوسف قد عُيِّن مدرسًا لتحفيظ القرآن الكريم بمسجد الحارة كأول مدرسٍ بها. و(جحا أولى بلحم ثوره).
فانتقل صاحبنا إلى حلقة أخيه يوسف، بيد أن الأمر مختلفٌ تمامًا هنا، فالأستاذ هنا أخوه، ولا يستطيع أن يعاقبه، فلا سبيل له إليه إلا الترغيب والتدليل.
كان صاحبنا يأتي التحفيظ كل يومٍ ودمعه يهمِي على خدَّيه، ويجلس غدوته في المسجد محتبيًا، مخفيًا وجهَه، ويظلّ على حاله تلك إلى أن يصالحه أخوه الأستاذ بريال، فيفكُّ حبوته، ويكشف وجهه، ويعود إلى البيت فرحًا مسرورًا.
شيئًا فشيئًا بدأ يعتاد على التحفيظ، ويسري عليه ما يسري على باقي الطلاب. تقدّمه في الحفظ والاستظهار لم يكن كما كان يؤمّل أخوه، فقد أتمّ الفتى حفظ ثلث القرآن وهو في الصف الثالث الابتدائي، ولم يكن هذا ليرضي أخاه الأستاذ، الذي جلس للتدريس وهو في الصف الثاني المتوسط، أي أنه أتمّ حفظ القرآن كاملًا وهو في الصفِّ السادس الابتدائي، والتحق بعدها بمعهد دار الأرقم بن أبي الأرقم لإعداد معلمي تحفيظ القرآن الكريم، ليصبح مدرِّسًا للتحفيظ وهو ابن أربعة عشر عامًا.
في الصف الرابع الابتدائي أتمّ صاحبنا حفظ نصف القرآن، وأصبح مؤهّلًا ليتقدَّم لاختبار الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، في هذه الأثناء كان الفتى قد حُوِّل وزملاؤه من غير السعوديين إلى مدارس مسائية، الخبر الذي نزل على أسرته كالصاعقة، وأقضّ مضجع والديه، والذي كان مثار فرحٍ عارم للفتى، فهو يخرج من المدرسة قبيل المغرب، ما يعني أنه لا يصرف من يومه الدراسي في التحفيظ إلا نصف ساعة كل يوم، عوضًا عن ثلاث ساعات، فهي هدية القدر سيقت إليه سوقًا.
لم يكن أمام الأسرة إلا الرضوخ لهذا الأمر، وإن كانت تتخلل طوال فترة دراسته بالمدرسة المسائية محاولات حثيثة لإعادته لمدرسةٍ صباحيّةٍ، حتى لا يتأثر درسُه في تحفيظ القرآن، لكن تلك المحاولات لم تفلح، ولم يكتب لها النُجح إلا بعد عامٍ كاملٍ قضاه الفتى في مدرسةٍ مسائيةٍ. 
تلك الثلاثون دقيقة كانت تنقص في أغلب الأيام، فصاحبنا كان يتعمّد أن يختار طريقًا بعيدةً للرجوع إلى المنزل، ليقلّل من أمَدِ بقائه في التحفيظ، ما يعني أن الوقت لا يسعفه للمراجعة وتسميع درسٍ جديدٍ، فيكتفي الأستاذ بأحد الأمرين، وهو الأمر الذي جعل صاحبنا في سعةٍ وبحبوحة، فلا يحتاج أن يحفظ درسًا جديدًا كل يوم.
تقدَّم لاختبار جمعية القرآن الكريم لنصف القرآن، في العام نفسه مرغمًا، وقد علم من نفسه يقينًا أنه لا محالة غير متجاوزٍ للاختبار.
وحصل ما كان متوقعًا، فقد فشل الفتى في الاختبار، ولم تكن عليه ملامة شديدة، فقد برّر أبواه فشله بدراسته المسائية.
من عامه المقبل تقدّم للاختبار ثانية، وسط رقابةٍ صارمةٍ عليه من أبيه، ومتابعةٍ يوميةٍ واستماع لجزء في المنزل، غير الذي يراجعه عند أستاذه في التحفيظ، قطعت عليه أسرته كلَّ أسباب الفشل والسقوط، ولم يعد عذر المدرسة المسائية قائمًا، فقد نُقل إلى مدرسة صباحية وهو في الصف الخامس الابتدائي.
لم يخيّب الفتي ظنَّ أسرته فيه، فقد نجح بتقدير ممتاز، وكُرِّم كونه الثاني على دفعته في سنته، وكوفئ بمبلغ ألف ريال، الذي كان قد خطّط لصرفه بشراء جهاز ألعابٍ طالما حلم باقتنائه.
أكمل كأيِّ طالبٍ إلى أن أتمّ استظهار المصحف كاملًا، وهو في الصف الثاني المتوسط، ومُنع من قِبَل أخيه أن يتقدّم لاختبار الجمعية في حفظ كامل القرآن، لعدم تمكنّه من الحفظ، ولئلا تتكرر تجربة الخيبة الأولى في اختبار نصف القرآن، وحيل بينه وبين الاختبار تلك السنة.
ظلَّ عامًا كاملًا يراجع القرآن، ويستعدّ للاختبار، ولم يكن قد أتقن الحفظ، ولكن بتوفيقٍ من الله، ودعاءٍ مخلصٍ من والدته، نجح في اختبار كامل القرآن بتقدير ممتاز، والذي أهّله للقبول في معهد دار الأرقم بن أبي الأرقم بكلِّ يسرٍ وسهولةٍ.
في المعهد وعند الشيخ إمداد الله البلوشي –طيّب الله ثراه- وجزاه عن صاحبنا خير الجزاء وأوفاه، بدأ صاحبنا حياةً جديدةً ورحلة جديدة مع القرآن، لم يعد أمر الحفظ والمراجعة ملزمًا، لاسيما مع شيخٍ ما عُرف بأحلم منه، ولا أرقّ طبعًا، ولا أكثر تواضعًا، ولا ألين جانبًا.
في المعهد حفظ صاحبنا القرآن حفظًا متقنًا، والذي لا يزال حتى يومنا يحتفظ به. أحبّ الشيخ وأحبه الشيخ، فغدا أول ما يصل إلى الحرم يصلي العصر، يرقب مقدم شيخه ليتلقّاه بالسلام، ويعرض عليه جزءًا من القرآن، وعلى امتداد عامين في المعهد كان هذا دأبُه، وهاتيك سنَّتُه. فنال من بركة الشيخ أعظمها، وأفاد من علمه أكثره.  
وبدا أثر هذا واضحًا في نتائجه، فقد تخرج في المعهد بتميّزٍ، ونال المركز الثالث على دفعته.
أضحى بعدها مدرسًا لتحفيظ القرآن الكريم، واكتفى بما حصّل من علمٍ في كلام الله، ولم يستزد، بل لم يكن على علمٍ بأنه إنما وضع قدمه على بداية الطريق لا نهايتها كما ظنّ.
في المدرسة التوحيدية التي كان يدرّس بها، بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة، تعرّف إلى الأستاذ صبري فطاني، الذي كان يتلقى القراءات عن المقرئ السيد نبيل الغمري، فتملّكه الفضول لسبر أغوار هذا العلم، ومعرفة كنهه، فطلب إلى الأستاذ صبري أن يقرئه، فوافق الأستاذ، وشرع صاحبنا في العرض عليه برواية شعبة عن عاصم، حتى إذا أوشك على الختم، استبقى قصار السور بتوجيه من الأستاذ، ليتمّ الختم على السيد نبيل، وبهذا يمهّد الطريق لصاحبنا ليتعرّف بالشيخ المقرئ ويقابله عيانًا.  
توجّس من لقاء الشيخ، فقد كان مهيبًا وذا جلالة. حضر مجلس إقرائه بمسجد الصبّان بأمّ الجود، وانتظر دوره ليقرأ، في صمتٍ كان يراقب المشهد، والقلق يعتمل في داخله. آن أوان عرضه التلاوة، فاستعاذ وبسمل وشرع في القراءة، وأنهى ختم القرآن بالدعاء، وحانت لحظة نطق الشيخ تعقيبًا على تلاوته ونقدًا لها، لم يكن يؤمّل الكثير، فجملةٌ مثل: بارك الله فيك ونفع بك، كانت لترضيه.
تناول الشيخ كتابه الموسوم بـ "تقريب النفع وتيسير الجمع بين القراءات السبع" وكتب في الصفحة الأولى:
"إهداء إلى تلميذنا النجيب (.............)، مقرونةً بالإجازة في قراءة عاصم، بالروايتين عنه، نسأل الله لنا وله القبول، بجاه الرسول، وأصحابه الفحول"  المؤلف.
لم يمض شهرٌ حتى انتدب الشيخ نبيل إلى المدرسة التوحيدية، ضمن الكادر الوظيفي التعليمي للمدرسة، كانت من خطة وزارة التربية والتعليم انتداب بعض المعلمين السعوديين الحكوميين إلى المدارس الخيرية، ليفيدوا من خبرتهم، ويرفعوا من مستوى الأداء التعليمي بالمدارس الخيرية.
أيّ هديةٍ من الله تكون أعظم عند صاحبنا، من أن يأتي الشيخ إلى ذات المدرسة التي هو بها، إذن فقد وجبت القراءات.
لم يفرّط صاحبنا في لحظة، فانطلق من اليوم الأول في العرض على الشيخ بدءًا برواية ورش عن نافع، كان يتّقد حماسًا واجتهادًا، وكان ذا حفظٍ قويٍّ متينٍ، يكمِّله ذكاءٌ وقَّادٌ ونباهة. كل ذلك نوّله حظوة عند الشيخ ومكانة عليّة.   
روايةٌ تلو أخرى، دون كللٍ أو مللٍ، يضيفها صاحبنا لقائمة ما أجيز فيها.


ما يتبع هذا من السرد، قد يرى فيه الأغلب نرجسية مفرطة، وكبرًا منبوذًا، وغرورًا مطّرحا.
لذا نضرب عنه الذكر صفحًا .. 






[1] سالي هو الاسم العربي للشخصية الرئيسية للمسلسل الكارتوني ذو الإنتاج الياباني المقتبس من الرواية الشهيرة للكاتبة (فرانسيس هودسون برنيت) تحت اسم "الأميرة الصغيرة" واسم الفتاة في الرواية هو سارة. تم إنتاج المسلسل عام 1985م، بواسطة شركة نيبون أنيميشن. وتمت دبلجته إلى الألمانية، والفرنسية، والعربية.

يعتبر هذا المسلسل الكارتوني من أنجح المسلسلات الكارتونية المدبلجة إلى العربية؛ وذلك لاحتوائه على فكرة عميقة جدًّا، وهي أن انتقال الإنسان من مرحلة الغنى إلى الفقر لا يعني نهاية العالم، وأن الأمل والإيمان قادرٌ على تحويل أسوأ الظروف إلى أجملها.

قوّة الصورة


معلومٌ من الثقافة بالضرورة أن الشعر ديوان العرب، والترجمان المفصح عمّا لهم من الأدب، والصوان الحافظ لمآثرهم، والسلك الجامع لمفاخرهم، استعملته العرب في التغني بمكارم أخلاقها، وطيب أعراقها، وذكر أيامها الصالحة، وأوطانها النازحة، وفرسانها الأنجال، وسمحائها الأجواد.
كانت القصيدة الأداة الإعلامية الأولى، والمنبر الإخباري الأقوى، ولسنا هنا في مقام استعراض واستقصاء لدور الشعر في شتى جوانب الحياة، فكم من بيت رفع قومًا وخفض، وكم من قصيدة أشعلت فتيل حرب واقتتال.
تبدّل الحال وتغيّرت المعطيات، وانتزعت الصورة المرئية الصدارة، وتزعّمت الأدوات الإعلامية، وعلى رأس هرمها السينما.
فرغتُ الليلة من مشاهدة فيلم (DAG II) التركي، الحاصل على تقييم (9.4) بموقع (IMDB) تدور أحداث الفيلم في منطقة حرب بمنطقة جبلية، حيث تصدح صرخات الأبرياء دون آذان صاغية، ويصور الفيلم الخط الفاصل بين الكارثة والبسالة، حيث يحكي قصة (7) من جنود المارون الذين يصارعون الموت في المنطقة الجبلية الباردة.
أبدع المخرج (ألبر كاجلار) في صنع أبطال أتراك خالدين، وهو في هذا مسبوق وليس بِدْعًا.
بعد الخسائر الكبيرة التي تكبّدتها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية جرّاء حرب فيتنام، والتي كونت رأيًا عاما اعتقده غالبية الشعب الأمريكي بأن الحرب كانت غير أخلاقية وغير مبررة، لجأت الحكومة إلى السينما كأداة إعلامية قوية، لتحاول إصلاح ما أفسدته السياسة والحرب، فصنعت البطل (رامبو) في سلسلته الشهيرة لتحسين الصورة الذهنية عن أداء الحكومة.
في مطلع العام الجاري عادت صالات السينما لتشرق من جديد في السعودية، بعد غروب شمسها لأكثر من خمسة عقود، بموافقة مجلس إدارة الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، هذا القرار يضع المنتمين إلى هذه الصناعة أمام تحدٍ حقيقي، للاستفادة القصوى من هذه الأداة، في تغيير المفاهيم والمبادئ الخاطئة، في نشر الوعي المجتمعي، في إشاعة روح السلام والحب، في تخليد ذكرى أبطال قدّموا مهجهم فداءً للوطن.      

الحرب الباردة (ق.ق.ج)

منك العذر أستاذي، فما زلت في المرحلة المتوسطة، ولكن ما معنى الحرب الباردة؟
اكتب لديك: 
الحرب الباردة: أن تكتب مغرّدًا في لومها وعتابها، وكيف أنك لا تطيق جفاءها، ويؤذيك عدم وصالها، دون إشارة، وتغرّد هي في شوقها لحديثك، وتوقها للقاك، دون إشارة أيضًا، ويكون هذا حالكما.    

دمية (ق.ق.ج)


لا تسأل عنه .. 
لا تشتاق إليه .. 
لا تبادله الحب .. 
لا تنشد الأشعار فيه .. 
لا تغني من أجله .. 
لا تكتب له الرسائل ..  
لا تهتم إن غاب أو حضر .. 
لا تسهد الليالي الطوال .. 
لا تسترضيه إن غضب .. 
لا تعاتبه .. 
لا تلومه ..
قطعًا .. هذا شأن الدمى!!