مما يعلق بذاكرتي من صباي أن
معلمًا لي كان يدلِّل على عظم حق الأخ، أنك متى ما أُصبتَ بشيءٍ فتوجَّعت منه،
فأول ما تلفظُ هو (أخ)!!
والحق أن قدر الأخ عظيم،
ومقامه كريم، ومن أجال نظره في نصوص الوحيين
وقع على ما يهديه إلى هذا، ففي آية النور، يقول الله تعالى: "ليس على الأعمى حرج
ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو
بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو
بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم.."،
فالتراتبية في الآية مبنية على الأهمية في القرب والصلة، ويؤكد هذا قول المصطفى -صلى
الله عليه وسلم-: (برَّ أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك).
اقرأ معي إن شئت قصة النبي –صلى الله عليه
وسلم- مع أخته من الرضاع الشَّيماء بنت الحارث -رضي الله عنها- حينما قدمت إليه
بعد انقطاع طويل، فماذا فعل رسول الله؟ بسط لها رداءه، وأجلسها عليه، وخيَّرها،
فقال لها: إن أحببتِ الإقامة فعندي محببة مكرمة، وإن أحببتِ أمتِّعكِ فترجعي إلى
قومك؟ قالت: بل تمتِّعني وتردّني إلى قومي، فأعطاها رسول الله ثلاثة أعْبُدٍ
وجاريةً ونعمًا وشاءً.
أو شئت فاسكب دمعةً وأنت
تستحضر تفجُّع النبي على حمزة –رضي الله عنه- بقوله: "لكن حمزة لا بواكي له"،
وقد رُزِئ بمقتله في غزوة أحد، ففقدَ أخاه من الرضاع، وعزَّ عليه الأمر وهال، حتى إن
وحشيًّا قاتِلَه حين أتى مسلمًا، قال له: هل تستطيع أن تُغيِّبَ وجهكَ عني؟! ما
كان ليطيق النظر إلى من سلبه أخاه!!
ثم انتقل معي إلى نبي الله
موسى الذي استشفع لأخيه عند ربه من فرط حبِّه له، أن يجعله وزيرًا له، وراح يذكر
خصائصه: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفصَحُ مِنِّى لِسَانًا فَأَرسِلهُ مَعِيَ رِدءًا
يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ﴾، حتى منَّ الله على هارون بالرسالة
والنبوة، فكان موسى أعظم الخلق مِنَّةً على أخيه.
انظر إلى نبي الله يوسف –عليه السلام- الذي
بالغ إخوته في الكيد له والعداء، حتى رموه في غيابات الجب، يرومون قتله، والخلاص
منه؛ غَيرةً منه، ومن تفضيل أبيه يعقوب له عليهم، وظلَّ بعدها يوسف في كبدٍ ومشقةٍ،
إلى أن استحالت حاله بعد البؤس إلى النعماء، وما إن سنحت له الفرصة للانتقام من إخوته،
والثأر لما فعلوه به صغيرًا، ماذا كان منه؟ قال لهم: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ
الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾، لا تثريب!! لا
لوم عليكم ولا عتب، وزاد تفضُّلًا فدعا لهم بالمغفرة؛ لأنهم بعد كلِّ هذا إخوته.
تأمل معي جواب هابيل بن آدم
لأخيه قابيل الذي أعماه الحسد، وتملكه الغلُّ، ﴿لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما
أنا بباسط يديَ إليك لأقتلك﴾، لم يشأ أن يكون هو من يعادي أخاه، ويبتدره بالشرِّ،
لذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن ابني آدم -عليه السلام-
ضربا لهذه الأمة مثلًا، فخذوا بالخير منهما".
ولعلَّ حق الأخ يعظم بعد وفاة
الأب؛ لأنه ينوء بأحماله من بعده، فيكون أبًا وأخًا، وتشتدُّ الحاجة إليه، فيشمِّر
عن ساعد المؤازرة، ويمدُّ يد العون، ويتسربل إزار المساندة.
فالأخ نعمة من الله -عز وجل-، وهو
قطعة من القلب، وجزء من الروح، وهو الكتف الذي نتكئ عليه إذا ما اشتدَّت الدنيا،
وهو الملاذ الذي نلجأ إليه من رزايا الحياة، وهو الحامل عنا أعباء الحياة وأثقالها،
وهو القائد الذي نحتمي به إذا حمي وطيس الأيام، والأخ هو السند، والذخر، والصديق الأبدي،
ورفيق الطفولة، وزميل الصبا، وخليل الشباب، فهنيئًا لكل من ملك أخًا حلَّى طعم الحياة
حين صار مرًّا.
ولا غرو أن أسطِّر في ختام
قالتي توقيعًا لأخي: يا من رأيتُ فيه قول ربي: إني أنا أخوك فلا تبتئس، أدام الله بقاءك،
وجعلك لي كهارون لموسى حين قال: اشدد به أزري وأشركه في أمري.
بالتأكيد أقصد يوسف، وإلا
فالبقية ......
أمزح.. أمزح..
كلُّكم فوق الرأس تيجان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق