الخميس، 1 أغسطس 2019

قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلٍ


عودتي لهاتيكم الديار، تبعث بداخلي مشاعر متضاربة، شيءٌ من الحنين لجِيرةٍ ورفقة، استوطنوا قلبي وحلّوا فيه, وشيءٌ من الحبور بالفكاك من هذا العذاب.
بالأمس عرّجت بـ (طلعة الوزّان) .. جزتُ أزقتها، عبرتُ دهاليزها.
سلّم عليّ عشرون، وأومأ لي برأسه عشرون، كلّ مصافحة حملت معنًى، وكلّ نظرة عين بلّغت رسالةً.
وأنا حيّيتُ أول ما حيّيتُ منزل جدي الذي به ولدتُ، ثم البيت الذي تحوّلنا إليه وبه ربيتُ، والمسجد إذ كنتُ أرتاده كلّ عشيّة، والمدرسة أصبّح بها معلّمًا عقدًا من الزمن، بعد أن كنت فيها طفلًا يرافق أباه، حيّيتُ الرصيف والشارع، حيّيت البيوت العتيقة، والمباني المتهالكة، والأحواش الخاوية.  
المعالم هي المعالم، والناس هم الناس، والحياة هي الحياة.
صوت ابن درويش ما زال يدوّي في مسجد التوحيدية، بقالة أبو فيصل الضيقة المساحة، على عهدها، لا تكاد تجد فيها نقصًا مما تحتاجه من مواد غذائية، مقليّة (عمّ سعد) تنفد قبل العشاء، فإما أن تدركها، وإلا تنظر غدًا، علّك تصيب منها، طعميّة (سعيد) هشّةٌ شهيّة، ولها طعمها المتفرد، وخالد مولوي بجلّابيته لا يترك المغرب والعشاء مع الإمام.    
لم يتغير الكثير، بيد أني شعرتُ بأن المسجد قد صغُر، وما صغر ولكني كبرتُ.
قطع الحديد تظلّ مغروزة في الأرض، حجزًا لموقف للسيارة، وستبقى ما بقيت الزحمة، وبقي التكدّس.
و(أحمد سندي) أغلب الوقت موصدٌ دُكّانه. 
"الدكّة" لم يعد فيها (مستور) و(معتوق) و(ابن جبران)، كلٌّ قضى نحبه، استضافت بدلًا عنهم فتيةً أنكرتهم منظرًا ومخبرًا.
عذرًا يا طنطاوي، فلا بردى لدينا، إلا ما يسيل من غسيل المنازل أو السيارات، أو حين تفيض بالوعة المجاري، لا حدائق ذات نخلٍ ورمّان، غير أكوام القمامة والكُناسة، ومع هذا شعرتُ واستعبرتُ فكتبتُ ..   




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق