كان حقُّ تي القالة أن تكون عَقيب هزيمة
فريق كرة القدم السعودي أمام غريمه المكسيكي، الهزيمة الأدهى والأمرّ من غيرها، إذ
الكبُّ على الوجه بعد التحليق في السماء أنكى، بيد أن من قال بأن كرة القدم هي
أفيون الشعوب، وخَمرة هذا الزمان، ما أبْعَدَ النُّجْعَة، وهي تالله قد سقتنا
صِرفًا غير ممزوجة في قطر، وأخذت منَّا اللبَّ ذهولًا، والحَنجرة زعيقًا، وجوارح
أُخَر ركلًا حينًا، وتصفيقًا حينًا، وبين ذاك وذلك قيامًا وقعودًا.
وشاع إطلاق هاته الكناية (الضُّراط في
التحيَّات) على من يحسن العمل شروعًا، واستواءًا، ثم يسيءُ إليه اختتامًا، كالتي
نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا، واستأثر فريق الأهلي السعودي بهذا التعبير، حتى
لكأنه قُصِر عليه وحُصر.
وذاك أن نظامًا غبيًّا، غريبًا، ما سمعنا
به في آبائنا الأولين، كان يقرِّر الفائز ببطولة الدوري السعودي في زمن من
الأزمان، وهو ما كان يُسمَّى بالمربع الذهبي.
كانت الفرق تتنافس بالطريقة المعهودة في
الدوري، بأن يلعب كل فريق ضدَّ الآخر ذهابًا وإيابًا، لحصد أكبر قدرٍ من النقاط
بالفوز وتجنب الخسارة، ولكن .. لكن.. بعد انتهاء جميع المباريات فإن صاحب الرصيد
الأعلى من النقاط لا يُتوَّج فائزًا، بل يتبارى مع الثالث، ويلاعبُ الثاني الرابعَ،
ليتلاقَ الفائزان منهما ويلعبا على اللقب في المباراة الأخيرة، وقد يكون الفريق
منهم لم يُهزم قطُّ، متصدِّرًا طيلة العام، ثم يأتي في مباراته الأخيرة، فيخسرها، ويضيع على
نفسه اللقب، وتلك كانت سُنّة الأهلي وديدنه.
ولا أدري من الذي تفتَّقت عن عبقريته هذه
البدعة العجيبة، التي لا تخلو من سخف، ولا تبرأ من ظلم، لا بارك الله في صاحبها،
وبحسبه ما ناله من سبٍّ وشتمٍ ودعاء بعدم التوفيق من مشجعي الأهلي.
على أن هذا الضُّراط في التحيَّات يهون،
متى جئتُ أخبّرك عن غير قليلٍ ممن عرفتُ، ممن ترعرع في المساجد، صبيًّا حَدَثًا،
يروح ويغدو مستظهرًا كلام الله، ثم لـمَّا طرَّ شاربه، وشَبَّ واستغلظ واستوى على
سوقه، وانتفى عنه سلطان أبويه، جفا المسجد والمصحف، وكان قاب قوسين أو أدنى من
الإتمام، وما هي إلا صفحات معدودات كانت تحول بينه وبين ختم القرآن.
وأعظم منه جريرةً، وأفدح جُرمًا، من
أتمَّ حفظ القرآن، بل ربما جلس للدرس والإقراء حينًا من الدهر، ثم إن الدنيا
أخذته، ملاهيها ملاعبها، وذهبت به كل مذهب، فأُنْسِيَ القرآن، وضاع منه وتفلَّت، فراح يقول: شغلتنا أموالنا وأهلونا
فاستغفر لنا!!
لا تعتذروا، قد جفوتم بعد وصالكم، وتركتم
بعد أخذكم، ولبئس والله ما فعلتم، استبدلتم الذي هو أدنى بالذي هو خير.
فلئن غابت عن الجاهل فهل
غابت عنكم: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون"؟!
ولماذا ضربتم عن وصية
نبيكم صفحًا، وهو يقول: "تَعاهَدُوا القُرْآنَ، فَوالذي نَفْسِي بيَدِهِ
لَهو أشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الإبِلِ في عُقُلِها"؟!
اللهم أشغل ليلنا ونهارنا بالقرآن، واجعلنا من أهله، الذين هم أهلك وخاصتك، وشفِّعه فينا يا أرحم الراحمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق