الثلاثاء، 28 ديسمبر 2021

جَهَاز العروس

جلس إليَّ صديقي سلطان الشمري وعاجلني مستفهمًا مستنكرًا: ما مقالةٌ بلغتني عنكم أيها البرماويون؟!

-       وما ذاك؟

-   أنا أشكرُ إليك أن أعلمتني أنني متى ما قدمتُ ضيفًا على برماويٍّ، ولم يقدِّم لي (الدروسكورا) فإنه قد قصَّر في إكرامي، ولكن..

-       ولكن ماذا يا هذا؟!

-       وإن كنتُ أهتمُّ بمطعَمي وما يلج بطني، إلا أن هذا الأمر أعظم وأجلُّ.

-       بُح يا ابن أمِّ ولا تخف.

-   بلغني أنه إذا خطب رجلٌ إلى أحدكم كريمته، فإن العادة عندكم تقضي بأن والد العروس يجهِّزها، وأن العريس إنما يوفِّر مسكنًا، ويُتكفَّل له بغرفة النوم، والمكيف، والسجاد، والثلاجة، والغسالة، والطباخة، و... ولوازمها كلها.

-   نعم، حتى الملح والسكر في علب المطبخ، لكن الصحيح أن ذلك ليس على والد العروس بمفرده، بل على قرابة العروس أجمعين، فالعمُّ يساهم بشيء، والخال كذلك، والعمَّة تتولى أمرًا، والخالة تفعل الشيء ذاته، وكلٌّ يشارك ويقدِّم ما يستطيع.

-       فلست بغالطٍ إذن إن أنا قلتُ أنني داخلٌ بمجهودي!!

-   نعم، إلى حدٍّ بعيد، ولعلِّي أفاخر فأقول: ليس الأمر مسألة عادة اجتماعية، بل هي سنة نبوية اختصَّ الله بها بعضًا من الأمم والأعراق، نحن منهم، ففي الحديث عن عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: (جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ فِي خَمِيلٍ وَقِرْبَةٍ وَوِسَادَةٍ حَشْوُهَا إِذْخِرٌ)، وفي نصٍّ آخر: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا زَوَّجَهُ فَاطِمَةَ بَعَثَ مَعَهُ بِخَمِيلَةٍ وَوِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَرَحَيَيْنِ وَسِقَاءٍ وَجَرَّتَيْنِ) ولا إشكال في نوع ما يُهدى، إذ العبرة بالزمان والمكان، وما كان يُفرش في البيوت قبل خمسين عامًا لا يُفرش اليوم، وما يحتاجه ساكن حائل من أغطية ولُحُفٍ لفصل الشتاء، لربما لم يرَها المكاويُّ يومًا من الدهر فضلًا عن أن يحتاج إليها.

-       فإني خاطبٌ إليكم، فهلّا زوجتموني من لدنكم.

-       هذا العرض لا يشمل العرسان من غير بني جلدتنا، فافرنقع عني.

 

·       الدروسكورا: سيدة المائدة البرماوية، وهي عبارة عن دجاجة تُسلق أولًا بتوابل معينة، بعد أن تُضمَّ رجلاها إلى جناحيها على هيئة مخصوصة، ويغدو ذلكم الماء الذي سُلقت فيه حساءً، ثم تُقلى الدجاجة في الزيت وتحمَّر، وهي علامة الكرم والضيافة عند البرماويين، وتضاهي في الرمزية المفطّح عند أهل السعودية. 

هناك تعليقان (2):

  1. الدروسكورا
    الراء سقط سهوا منك
    مقالة جميلة جمال قلبك
    وفيها من الفكاهة مايستلذ بها القارئ
    هنيئا لك وزادك الله من فضله وكرمه

    ردحذف