يقول المولى –عزّ وجلّ- في سورة الزخرف: "نحن قسمنا
بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجات ليتخذ بعضهم بعضًا سُخْرِيًّا
ورحمت ربك خير مما يجمعون"، فكان لزامًا علينا أن ندرك أن ما قُدِّر لزيدٍ، لم
يُكْتَبْ لعمرٍو، وما خلقتَ له أنتَ، قد يكون أبعدَ الناسِ عنه توأمُك!!
من مغبّة سجن الذات في صور نمطية،
والانحصار في قوالب محددة، ما يلحق بعض المتصدِّرين للوعظ والإرشاد، من معلّمين
موجّهين، ومستشارين ناصحين، من قصورٍ في النظر، واحتكارٍ للنُّجْعَةِ والنُّجْحِ
في مجالاتٍ دون أخرى.
وآية ذلك أنك تجدُ الحضَّ على تعلم اللغة
الإنجليزية قد آزَرَ واستغلظَ واستوى على سوقه، بدعوى عظيم نفعها، وشديد الحاجة
إليها -ولربما كانت دعوى صحيحة لكن بلا اطّراد-، فإن رُمت تعلّم الإندونيسية لم
تلقَ إلا تثبيطًا للهمّة وكسرًا لمجداف العزيمة. والخيرَ كلّ الخير في إتقانك لغة
برمجة، أو احترافك حزمة Adobe،
فإن أردتَ استظهار ألفية ابن مالكٍ، رماك من حولك بأبصارهم شَزَرًا، ولسان حالهم:
أوَلسنا نتحدّث العربية؟!!
أحكي لكم طرفًا مما سمعتُ:
أخٌ لي نشأ في بيئةٍ تنفر من الحديث باللغة
الروهنغية، فلا يتكلَّمونها البتة، لكن أخي رغم ذلك أصاب بسهمٍ منها، لا يبوئه
مقعدًا مع المتقنين لها، ولكن بحسْبِه أنه ليس أبْهَمَ فيها.
كُرِّم في العمل الموسمي بإحدى الجهات
المعنيّة بخدمة حجاج دول جنوب آسيا، ومُنح جائزة مالية، نظير تميّزه في العمل،
لماذا؟؟
لأنه كان أقدَرَ من بقية زملائه على
التواصل مع الحجاج بلغتهم؛ لتمكّنه من الروهنغية!!
زميلٌ لي من بلاد شنقيط، مشتغلٌ بالعربية
وعلومها، يخبرني عن عمله في التدقيق اللغوي، وسِعَةِ دخله تلقاء هذا التخصص، والذي
يدرّ عليه كلّ شهرٍ مقدارًا من المال، رقمًا يحوي أربعة أصفار!!
توجيه بوصلة أبنائنا نحو حقلين أو ثلاثة من
حقول المعرفة، بحجة أن سوق العمل يتطلّب هذه المهارات، ويضمن وظيفة لمكتسبها،
تحجيرٌ لواسعٍ، وتضييقٌ لرحراح، وما كان اقتصادٌ قطُّ ولن يكون، يقوم على بضع
مهنٍ، فالناس تختلف احتياجاتهم وتتنوع وتتسع، ثم إن الله خلق البشر تتفاوت قدراتهم
الذهنية والجسمية، ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين.
زُبدة الحديث، ولبُّ المقال، في كلٍّ خيرٌ
.. في كلٍّ خيرٌ..
تسلّح بالعزم والاجتهاد، واطّرح الكسل
والتواني، وارتدِ لباس الطموح، واستعن بالله، واسأله التوفيق، ثمّ "لكلٍّ
وجهة هو مولّيها فاستبقوا الخيرات".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق