في ختام لقاء وليد السناني مع داوود
الشريان، قصف السناني جبهة الشريان، ودمَّرها تدميرًا، حين قال: أتيت لهذا اللقاء
وأنا كاره، وكنت أسمع عنك، وحين قابلتك ازددتُ زهدًا فيك!!
هذا أول ما طرأ ببالي وأنا أقرأ رواية
(ترمي بشرر) لعبده خال، وهي المرة الأولى التي أقرأ فيها له، وبدون ذرة شك ستكون
الأخيرة، وطلاقًا بائنًا بلا رجعة.
الحقُّ أنني قبل الشروع في القراءة،
بلغتُ الجهد في الخلاص من التحيز، والانسلال من التطرف، وخلع ثوبه، إذ الرجل لاكته
الألسن –لاسيما المحافظة- ردحًا من الدهر، سبًّا وشتمًا ورميًا بالزندقة.
ولأن لي تجارِب سابقة مع مثل هذه
القولبة، ولو جافاني التذكر فلست أنسى قالتهم في نزار، وتفسيقه، بل حتى تكفيره،
وعليه قررتُ المضيَّ قدمًا، نابذًا وراء ظهري كل قيلٍ وقال في عبده خال.
ولن أتكلم عن الجوانب الفنية لروايته،
فلست لذاك أهلًا، ومن تكلم في غير فنِّه أتى بالعجائب، ومن باب النَّصَّفة فإن
المخاتلة في آخر مشهد (التويست) راقتني جدًّا.
حديثي في أوَّله عن لغته، ولأن الرواية
عمل أدبي، فاللغة عنصر أساس فيها، ولا رواية سامقة خلا لغةٍ ترقى بها، وكقارئٍ
شبَّ على الرافعي والمنفلوطي وطه، وخلَفهم من الأدباء المصاقع الأفذاذ، فإن لغة
الرجل ليست بذاك، وهي في جوانب من الرواية عادية جدًّا، وأحيانًا دون المستوى.
وزمجرتي الهادرة، وزئيري المرجف، إنما
في استخدامه للجنس، ولم أقرأ له روايات أُخَر، لكن نقلًا عمَّن فعل، فثمَّ رابط
بين كتابات الرجل والجنس، حاشا أنه برئ من فعل نوال السعداوي، برقمها جلَّ كتبها
بعطف الجنس على اسمٍ.
لا أخفيكم كم حسبلتُ وحوقلتُ وأنا
أقرأ، جرَّاء هذا الإسفاف، والعفن، ولئن كنتُ قبلُ قد استغفرت الله سبعين مرَّة
بعد فراغي من (الخبز الحافي) لشكري، فإني الآن بعد انقضائي من (ترمي بشرر) أقوم
فأغتسل، وأصلي ركعتين، تائبًا منيبًا، متطهِّرًا من هذا القذر، ومتبرئًا من هذا
الكدر.
والداهية العظمى والطامة الكبرى، أنه
تسقَّط فاختار من الجنس أخسَّه (الشذوذ الجنسي)، فإن ادَّعى أنه يعالج قضايا
مجتمعية، ويسلط الضوء على مشاكل واقعية، فما بمثل هذه الطريقة المقززة تُعالج
القضايا.
شككتُ لوهلةٍ أنه ربما كتب الرواية وهو
غِرٌّ لـمَّا يحتفل بعيد مولده العشرين بعدُ، أو ربما يمَّم وجهته نحو هؤلاء
الفتية، إذ عسيرٌ وشاقٌّ على من نضج تقبّل هذا السقوط.
في بعض فصول الرواية كدتُ أتقيَّأ، وهو
يصف أمًّا لأحد شخصيات روايته، فيعرِّج بالوصف ذكر نهديها وفَرجها؟!!
أيُّ تردٍّ هذا وأيُّ انحطاط؟؟!
الأمُّ وإن كانت أنثى فاتنة، فإن
معناها دائر في فلك الرأفة والرحمة والعطف والحنان، فما المغزى من إقحام الجنس في
ذكرها؟!
الجنس وفشوُّه في جنبات الرواية يذكرك
بالأعمال السينمائية التي ينتجها السبكي، والتي لا تُعدم في أيِّها من رقَّاصة في
حيٍّ شعبي، اعتلت المسرح، وأبدت من لحمها أكثر مما أخفت، وكشفت من مفاتنها ضِعف ما
سترت، فإن أنتَ تساءلت: ما الذي أتى بها في السياق الدرامي، وما دورها؟ لم تلقَ
إلا إجابة يتيمة: الرخص، والابتذال، والاستخفاف بالمتلقي، وعدم احترامه.
وبعدُ.. فإن ما دفعني إلى قراءة (ترمي
بشرر) أني سمعتُ المديفر –وهو عندي مقبول الرأي- في لقائه معه، يصفه بأنه أحد
روَّاد الرواية والقصة في المشهد السعودي، وعنوانًا لها في زمانها الحالي، ثم إني في
بعض لحظات الخيال الحالم، عقدتُ العزم على أن أجعل من نفسي كاتبًا ينال الجوائز،
وكنتُ أمنِّي النفس بنوبل في الأدب (كيف الهياط بس؟!!) وإذا سألتم الله فاسألوه
الفردوس الأعلى من الجنة، وكن رجلًا رجْله في الثرى وهامة همَّته في الثريَّا، وفي
السبيل إليها البوكر العربية.
من أجل ذلك كتبتُ على نفسي الاطلاع على
الروايات الفائزة، فتبيَّن لي يقينًا محالُ غايتي، وبُعد طُلبتي، إذ اللغة التي
أدَّعي وصلًا بها، وآتينْها صداقها نِحلة إن هي قبلت القِران، ليست العامل الأساس،
ومدار الجائزة، كما كنت أتوهم، وظنِّي –وما هو بخائب- أن ما يرومونه في الفائز لا
يتحقق في مثلي لا من قريب ولا من بعيد.
ويبقي سؤالي الملحّ: ما هي المعايير
المعتمدة لمنح البوكر العربية؟
إن قالوا اللغة، فـ(خال) كاسمه، خالٍ
منها.
وإن قالوا الصنعة الفنية، فبحسب نقاد
ذوي باعٍ، فالرواية تعاني ترهُّلًا سرديًّا، وتشتتا ذهنيًا، وبعدًا عن التركيز،
وحشوًا يصدق فيه صفة الثرثرة.
وإن قالوا معالجة قضايا الواقع، فإن
سلَّمنا جدلًا بوجودها في جدَّة جارة الحرم –ووالله وتالله وبالله إن هذا ليبعُد-
فشاذَّة كشذوذ شخصيات الرواية.
فماذا إذن؟؟
أفتوني في أمري..